السلام عليكم العنوان مُستفادٌ من جملةٍ في مقدمة الكتاب..
وأعتقد أن عنوان "رسل الشيطان وسفراء إبليس" كان سيكون أفضل..
كتاب "من عبث الرواية.. نظرات من واقع الرواية السعودية" للمهندس عبد الله العجيري..
وعلى الرغم من أن الكاتب يتحدث عن الواقع السعودي.. إلا انه يصدق فيه قول شوقي :
نصحتُ ونحن مختلفون دارا ** ولكن كلُّنا في الهمَّ شرقُ.
فهذا العبث منتشرٌ في كل مكان لا تحدُّه الحدود..
قرأتُ الكتاب قراءة متقطعة، وأعتقد أنه مفيد لولا بعض الملاحظات.. منها مثلا وصفُهُ للرواية أنَّها فنٌ رفيع .. وهذا غير صحيح أو كان عليه أن يفصل عن أي الأمم يتحدَّث..
ونقطة أخرى مثلا: نقله بعض النصوص عن هؤلاء الـ ..() ، حتى وإن كان غرضه إظهارُ انحطاط أخلاقهم – إن كانت لهم أخلاق –
إلا أن هذا النقل مزعج وكانت تكفيه الإشارة..
جاء في الكتاب ص42 :
" الناظرُ في شأن هذه الروايات المسمومة يجدها حافلةً بمختلف الانحرافات العَقَدِيَّة والفكرية والخُلقُيَّة، فمُقلٌ ومُستكثرٌ- ولا مقل بين القوم اليوم - ، ويمكن أن يقال أنَّ هذه الروايات تعمل على مسارين رئيسيين:
الأول: يسعى لضرب القيم الشرعية والأسس الدينية.
والآخر: يسعى لضرب القيم الخُلقية، والآداب المَرْعيّة.
وقد يتقاطعُ كلا المسارين في روايةٍ، أو يغلِبُ أحدُ المسارين الآخرَ، لكن لا تكاد تخلو رواية من هذه الروايات من العمل على الخطين معًا.." ص42.
وجاء في مقدمة المؤلف :
" (كلُّ إناءٍ بالذي فيه يَنْضَح ) . هكذا قال أهل الحكمة . فإذا رأيت القلمَ شَغُوفا بالبذاءة ، مولعا بصور الفجور، مفتونا بكل قبيحة ورذيلة، فاعلمْ – عندئذٍ - أن الإناء نضح بما فيه، وأن الطير على شكله وقع". ص 11.
وباب الشرٍّ والفساد هذا الذي ناقشه المؤلف هو أحد الأبواب وإلا فاليوم هناك ما هو أشرُّ وأقبحُ في نشر الفساد والإلحاد ..
"... اجتهدَ ههنا فأحسن، ونصحَ في كتابه فأعذرَ، حين جمعَ في موجزه هذا طرفا من أحوال بعض حُـرَّاس الرَّذيلة في بلادنا، ممَّنْ حملوا على عاتقهم إشاعَة قصص الخلاعة والعُهْر التي جادت بها قرائهم المقرحة، وكنتُ قبلُ قد وقفت على طرفٍ من بذاءاتهم ومراهقاتهم التي يسمُّونها (أعمالا أدبية)! فرأيت فيها ما يمرض القلب ويُوهنُ الإيمان. غير أنَّي بعد قراءَة ما جمعه أخونا ومُراجعة بعضه في مصادره، وجدتُ السوءَ فيها جاوزَ كلَّ وصفٍ، حيث تمادى أولئك المفتونون في غيِّهم، بعدما رأوا في أخبار المجون تجارةً رائجة تصنعُ من النَّكرة علمًا في رأسِه عـارُ".
"والذي أعجبُ لهُ أنَّ الواحد من هؤلاء وأشباههم يصوِّرُ مُجْتمَعه في أقبح صورة وأرذلها، فإذا سألته قال: يجبُ ألاَّ ندَّعي نقاءً وطُهرًا لا وجود له.
ثم إذا جاء الحديث عن بعض الضوابط والأنظمة التي التي يُقصدُ منها الحدُّ من الشرِّ والفساد، رأيتهُ يهبُّ مُعارضا مُتسائلا: لماذا تجعلون النَّاس محلَّ تهمةٍ؟
فالمجتمعُ يكون قذرًا حين يكتبون عنه رواياتهم، لكنَّه يتحول إلى نقي طاهرٍ حين يريدون معارضة ما يحفظ الأعراض ويحرس الفضائل".
من المقدمة...
"... لكن حين يعرض الروائيُّ لوصف تلك اللحظات، فليس بالضرورة أن تنزل ألفاظُـه وتسفُلَ عباراته وتنحطَّ كلماته. فاللفظة النظيفة والكلمة العفيفة قادرة على وصف مواقف السُّوء دون المساس بمقام الحياء والأدب..."
"... فالشَّأنُ هنا ليس في الصورة نفسها وإنما في نهج من يعبر عنها ويرسمها. الصورة الواحدة يمكن أن تُرسم بكلام لطيف عابر على نسق هذا اللون الرفيع من البيانويكن أيضا أن تُرسَمَ الصورة نفسها مُفصَّلةً ببذيء الألفاظ وساقط الأقوال كما أدمنَ ذلك جملة من كَتَبة الرواية اليوم"
"... غير أن الروائيَّ سليم القلب ليس موكولا بشرح تفاصيل فجور الفاجر والتوقف عند أخسِّ مواقفه ليُشرِّحها ويُفصِّلها ويستنطقها بالإيماءات الجنسية المُنحطة والإشارات الشهوانية المرذولة. كلُّ هذا ليس من شأن الكاتب ذي الذوق الرفيع والأدب الراقيوإنما هو شأن مرضى القلوب ممن يستروحون ذكر الفواحش وتألف نفوسهم أخبارَ المجون.
وممَّا يطول منه العجب ولا ينقضي.. أن ترى هذا النوع من كتبة السُّوءْ يعلنون أنَّهم إنما يرمون بما سوَّدوه علاج أمراض المجتمع وإصلاحه! وصدق الله إذ يقول : "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون".
" أولئك المفتونون اتخذوا من فن الرواية بابا لتمرير رؤاهم وأفكارهم المريضة، يستطيعون من خلاله التصريح بضلالات لا يقوون على إعلانها جهارا. وإلا فمن يجرؤ في مجتمعاتنا المسلمة على التصريح بما يرمي إليه صاحب (أولاد حارتنا) من رموز وأفكار؟ ومن يقوى على التظاهر بما تضمنته رواية (وليمة أعشاب البحر) بأسلوب مباشر دون التواء أو غموض؟ إنه باب فجور استسهلَ الجبناءُ طرقَه ليُلقوا من خلاله ما شاءوا من شرٍ وبلاء".
الأسلوب غير المباشر لإيصال الأفكار والمفاهيم.. ص 25 :
"... ومما يُسهِّل عملية تمرير الأفكار عبر العمل الروائيّ أن الكاتب يستطيع التحكم في شخصيات وأحداث روايته، فيعمدُ إلى خلق عناصر قبول الأفكار وترويجها بصناعة البيئة الصالحة لها، وإيجاد الشخصيات الملائمة والأحداث المناسبة. فيُمكن مثلا أن يُقبّح الكاتب ما شاء من أفكار بتقبيح أحوال قائليها وإظهارها في قوالب هزيلة يسهل معارضتها وإبطالها. كما يمكنه مدح ما شاء من تصورات بإجرائها على لسان البطل في أحسن هيئة وأجمل صورة. وإظهار المخالف في موقف العاجز عن الرد والجواب والمعارضة.
فيمكن للكاتب أن يصوِّر المظلوم ظالما والظالم مظلوما ويمكنه أن يجعل من المجرم بريئا ومن البريء مجرما. ولو شاء بعضهم أن يصور فرعون أو إبليس في أحسن صورة وأقدس هيئة لفعل، ولعله بعدُ يكسب تعاطف بعض الجماهير. هذا ما تمارسه تلك الروايات حقيقة حيث تحاول أن تكسب من قرّائها تعاطفا - شعروا أو لم يشعروا- مع المنحرفين والمخطئين والضالين. فإذا قسا المجتمع على مومس أو مرتدٍ مثلا كـان المجتمع هو الظالم على قسوته هذه. أما المومس أو المرتد فمسكين مستضعف مقهور وبرئ."
جـاء في الصفحة 85 وما بعدها..
"من أظهر القواسم المشتركة بين جمهور هذه الروايات الهابطة ما تحفل به من انحلال خلقي..." فهي كما قال: مستنقعات.
ثم في الصفحة 98 : " والذي يجب أن يُعلم أن عرضَ أخبار الفواحش والآثام بهذه الطريقة يُعدُّ نوعَ إشاعةٍ للفاحشة بين المؤمنين. وهو من جملة الحرام الذي نهى الله عنه ورسوله.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية " كلُّ عملٍ يتضمن محبة أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا داخلٌ في هذا، بل يكون عذابُه أشد. فإن الله قد توعَّد بالعذاب على مجرّد محبة أن تشيع الفاحشةُ بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة. وهذه المحبةُ قد لا يقترنُ بها قول أو فعلٌ. فكيف إذا اقترن بها قولٌ أو فعلٌ. بل على الإنسان أن يبغض ما أبغضه الله من فعل الفاحشة والقذف بها وإشاعتها في الذين آمنوا. ومن رضي عمل قومٍ حشر معهم". الفتاوى 15/344.
ويقول الطاهر بن عاشور ( التحرير والتنوير ج18 ص 185) :
في تفسير قوله تعالى "﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ "
" ولشُيُوعِ أخبار الفواحش بين المؤمنين بالصدق أو بالكذب مفسدةٌ أخلاقية، فإنَّ ممَّا يزعُ النَّاسَ عن المفاسد تَهيُّبُهم وقوعها وتجَهُّمهُم وكراهتُهم سوءَ سُمْعتها وذلك ممَّا يصرفُ تفكيرَهم عن تذكُّرِها ـ بله الإقدام عليها ـ رويدا رويدا حتى تُنسى وتنمحي صورها من النفوس. فإذا انتشرَ بين الأمة الحديثُ بوقوع شيءٍ من الفواحش تذكَّرَتها الخواطر وخفَّ وقعُ خبرها على الأسماع، فدبَّ بذلك إلى النفوس التهاونُ بوقوعها وخِفَّة وقعها على الأسماع، فلا تلبث النفوس الخبيثة أن تُقدم على اقترافها، وبمقدار تكرُّرِ وقوعها وتكرُّر الحديث عنها تصير متداولة"
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز ) للمساعدة في تخصيص المحتوى وتخصيص تجربتك والحفاظ على تسجيل دخولك إذا قمت بالتسجيل.
من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.